اللاجئون الفلسطينيون في لبنان 28
صفحة 1 من اصل 1
اللاجئون الفلسطينيون في لبنان 28
ومن المعروف أن “اتفاق القاهرة” الموقع في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 1969 بين السلطات اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية لم تنحصر بنوده في القضايا العسكرية وحدها؛ وهو لم ينظم الوجود المسلح الفلسطيني في لبنان فحسب، بل والوجود المدني أيضاً. وغني عن القول إن الشق الثاني المتعلق بالوجود المدني لا يقل أهمية عن الشق الأول. فقد اتفق الطرفان، بحسب نص الاتفاق، كما نشره الرئيس السابق للجمهورية اللبنانية السيد شارل حلو، “على إعادة تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان على أساس:
1 ـ حق العمل والإقامة والتنقل للفلسطينيين في لبنان على أساس:
2 ـ إنشاء لجان محلية من الفلسطينيين لرعاية مصالح الفلسطينيين المقيمين فيها وذلك بالتعاون مع السلطات اللبنانية وضمن نطاق السيادة اللبنانية”(56).
ظل “اتفاق القاهرة” سرياً جداً؛ الأمر الذي أتاح عدم ترجمة الشق المدني منه إلى تشريعات قانونية تنظم العلاقة بين الدولة اللبنانية والفلسطينيين في لبنان، من ناحية، وحرّر السلطات اللبنانية بإلغائه في العام 1987 من أي التزام يقيدها، وأطلق يد عسفها من غير ردع، من ناحية ثانية. ولم يبق أمام الفلسطينيين بعد إلغاء الاتفاق غير تلك التصورات التي تنظر كما بينا إلى الوجود الفلسطيني في لبنان باعتباره واحداً من أعظم الأخطار التي تهدد الكيان اللبناني، إن لم يكن الخطر الوحيد. هكذا خضع الفلسطينيون في لبنان، مند خروج منظمة التحرير الفلسطينية بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت صيف العام 1982 إلى مسلسل من العنف المفتوح امتد حتى العام 1987، ومنذ نهاية الحرب الأهلية وما سمي باسم حرب المخيمات خلال سنتي 1986 و 1987، إلى عنف مقنّع يستهدف ترحيلهم من لبنان.
ولم تؤد المحاولة الوحيدة لتقنين الوجود الفلسطيني في لبنان لأي نتيجة على الإطلاق. فبعد ضغوط ومطالبات ملحة من أجل تنظيم هذا الوجود، دعت الحكومة اللبنانية في 3/7/1991 الجانب الفلسطيني إلى تحديد رؤيته لماهية الحقوق المدنية التي يعتبرها ضرورية ويطالب بها. وشكلت لهذا الغرض لجنة وزارية للحوار مع ممثلي الفلسطينيين في لبنان تكونت في البداية من الوزير السيد محسن دلول واللواء فرحات، ثم أعيد تشكيلها بحيث غدت مكونة من السيدين الوزيرين عبد الله الأمين وشوقي الفاخوري. وقدم الوفد الفلسطيني مذكرة موحدة يحدد فيها تصوره للحقوق المدنية والاجتماعية والمشكلات التي يجب حلها لتستقيم العلاقة بين الطرفين. وتم الاتفاق في الاجتماع، كما يقول السيد صلاح صلاح عضو الوفد الفلسطيني، على مواعيد وجدولة الاجتماعات القادمة. لكن الوفد اللبناني ماطل وسوّف. فكان ذلك الاجتماع هو الأول والأخير(57). والحقيقة أن الطرف اللبناني، عشية انعقاد مؤتمر مدريد (خريف 1991) سارع إلى تجميد الحوار “بدعوى تجنب أي عمل قد يؤثر في نتائج عملية السلام”(58).
13 ـ ليس موضوع هذا البحث تقويم ماضي العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية أو حتى حاضرها. فهذه سيرورة تاريخية، معقدة بالضرورة، تختلط فيها العواطف والأوهام والأساطير والنوايا والوقائع. وهي صارت، منذ حصار بيروت من قبل القوات الإسرائيلية في صيف العام 1982 وخروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية منها، موضوعاً لكل لبس. ومنذ منتصف التسعينات بشكل خاص، غدا الوجود الفلسطيني في لبنان حقلاً خصباً لكل حساسية ممكنة، ودخلت العلاقة الفلسطينية/ اللبنانية في عسر شديد. ويقول مهندسو السياسات اللبنانية الرافضة ل ـ “التوطين” إنهم يريدون حماية هوية لبنان من خطر الذوبان والتلاشي، وحماية لبنان نفسه من الانشطار. ويضيف بعضهم إلى ذلك إنه لو احترم الفلسطينيون القوانين والأنظمة اللبنانية لما قسا عليهم لبنان. ولولا أنهم تدخلوا في الشؤون الداخلية اللبنانية لما كانت الرغبة في الخلاص منهم قوية كما هي اليوم(59). والدليل على ذلك، كما يقولون، هو أن لبنان احتضن الفلسطينيين وعاملهم بكل الحسنى الممكنة منذ هجرتهم القسرية في العام 1948، وظل يعاملهم كذلك إلى أن غدوا عنصر خطر على كيان لبنان نفسه، وعلى توازناته بل واستقلاله ووجوده.
غير أنه حالما نتجاوز تخوم البعد السياسي المتصل بمواقف الوقت الحاضر من “التوطين”، ونتوغل قليلاً في الأشياء، حتى تتكشف الأمور عن أنها أكثر تعقيداً من هذه اللوحة البسيطة والمبسطة، وأنها تنفتح على حقل واسع من المفارقات التي تمس الاجتماع اللبناني نفسه بإجماعاته وأساطيره وتناقضاته، من ناحية، والطاقة التدميرية الهائلة التي يحتضنها ويزرقها بأسباب البقاء والديمومة، من ناحية ثانية. وتصعب الموافقة على الرأي الذي يقول إن سياسة تهميش الفلسطينيين ورفض منحهم أبسط الحقوق الإنسانية والاجتماعية المتعارف عليها في العالم تعود إلى ذاكرة الحرب الأهلية ودور الفصائل الفلسطينية في هذه الحرب(60). فبخلاف الصورة التي يروّجها بعضهم، لم تكن سلطات الدولة اللبنانية قبل اتفاق القاهرة تتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين إلا من منظار الأمن، بكل ما تحمله النظرة الأمنية من هواجس وتعسف وضيقِ أفقٍ نزِق، ولم تستطع أن ترى فيهم غير خطر يستوجب القمع. وتستند هذه المعاملة إلى دراسة، ذات اعتبارات أمنية كذلك، ترى في البؤس الفلسطيني أرضاً خصبة للثورة والتمرد، ومناخاً صالحاً لانزراع الأفكار التي تعتبرها كل جهة أمنية هدامة، أي مصدر تهديد للاستقرار.
وإذ لم تكن الذاكرة الجمعية لسكان مناطق الدولة اللبنانية تعكس في مرآتها هوية مشتركة، فقد مثل ميثاق 1943 عقد شراكة تغلب عليه الضرورة بين نبلاء الجماعات المحلية جميعها. ولما كان اللبنانيون مازالوا جماعات أهلية تُغلّب تعاضدات الأسرة والحي والعشيرة والضيعة والجهة والطائفة على كل تعاضد آخر، فقد كانت صيغة الميثاق ناجحة لإدارة الاختلافات وتخفيف حدة التوتر التي تقتضيها الوطنية الجديدة التي أسس لها الميثاق. إذ كيف يمكن الجمع بين كل هذه الانتماءات المتقاطعة وتجاوز انقساماتها من غير البدء بصياغة تاريخ مشترك، جديد بالتعريف؟
ثم إن الفلسطينيين عندما وصلوا إلى لبنان، بدءاً من نيسان (أبريل) 1948، بالآلاف كلاجئين، وصلوا إلى بلاد لم يكن سكانها قد استقروا لا على مشروع يجمع بينهم ويعيد تشكيلهم في الهوية الجديدة التي أرادها الميثاق لهم، ولا كانت دولتهم قد تعرفت على استراتيجيتها الخاصة بها كدولة إزاء دول الجوار. وإذ لم يكن لبنان، عشية النكبة الفلسطينية في العام 1948، قد شكل نخبته الوطنية بالمعنى المألوف للمصطلح، ومن غير سياسة بالمعنى الإنمائي، فقد كان للنكبة الفلسطينية عليه وقع الزلزال ذي الرجع القريب. وليس من غير دلالة بهذا المعنى أن يكون أول ضحايا الزلزال الفلسطيني في لبنان هما الشخصيتان الأبرز في تأسيس لبنان الجديد، لبنان الميثاق، وهما رئيس الجمهورية المرحوم الشيخ بشارة الخوري الذي أطاح به عجزه عن حكم البلاد بعد النكبة، ورئيس الوزارة المرحوم رياض الصلح، الذي نحاه الشيخ بشارة الخوري، شريكه الأول في الميثاق، عن الحكم. يُروى على لسان المرحوم رياض الصلح قوله “إن نكبة فلسطين قصمت ظهري، وإن هزيمة العرب هي قبل كل شئ هزيمتي في لبنان”(61).
1 ـ حق العمل والإقامة والتنقل للفلسطينيين في لبنان على أساس:
2 ـ إنشاء لجان محلية من الفلسطينيين لرعاية مصالح الفلسطينيين المقيمين فيها وذلك بالتعاون مع السلطات اللبنانية وضمن نطاق السيادة اللبنانية”(56).
ظل “اتفاق القاهرة” سرياً جداً؛ الأمر الذي أتاح عدم ترجمة الشق المدني منه إلى تشريعات قانونية تنظم العلاقة بين الدولة اللبنانية والفلسطينيين في لبنان، من ناحية، وحرّر السلطات اللبنانية بإلغائه في العام 1987 من أي التزام يقيدها، وأطلق يد عسفها من غير ردع، من ناحية ثانية. ولم يبق أمام الفلسطينيين بعد إلغاء الاتفاق غير تلك التصورات التي تنظر كما بينا إلى الوجود الفلسطيني في لبنان باعتباره واحداً من أعظم الأخطار التي تهدد الكيان اللبناني، إن لم يكن الخطر الوحيد. هكذا خضع الفلسطينيون في لبنان، مند خروج منظمة التحرير الفلسطينية بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت صيف العام 1982 إلى مسلسل من العنف المفتوح امتد حتى العام 1987، ومنذ نهاية الحرب الأهلية وما سمي باسم حرب المخيمات خلال سنتي 1986 و 1987، إلى عنف مقنّع يستهدف ترحيلهم من لبنان.
ولم تؤد المحاولة الوحيدة لتقنين الوجود الفلسطيني في لبنان لأي نتيجة على الإطلاق. فبعد ضغوط ومطالبات ملحة من أجل تنظيم هذا الوجود، دعت الحكومة اللبنانية في 3/7/1991 الجانب الفلسطيني إلى تحديد رؤيته لماهية الحقوق المدنية التي يعتبرها ضرورية ويطالب بها. وشكلت لهذا الغرض لجنة وزارية للحوار مع ممثلي الفلسطينيين في لبنان تكونت في البداية من الوزير السيد محسن دلول واللواء فرحات، ثم أعيد تشكيلها بحيث غدت مكونة من السيدين الوزيرين عبد الله الأمين وشوقي الفاخوري. وقدم الوفد الفلسطيني مذكرة موحدة يحدد فيها تصوره للحقوق المدنية والاجتماعية والمشكلات التي يجب حلها لتستقيم العلاقة بين الطرفين. وتم الاتفاق في الاجتماع، كما يقول السيد صلاح صلاح عضو الوفد الفلسطيني، على مواعيد وجدولة الاجتماعات القادمة. لكن الوفد اللبناني ماطل وسوّف. فكان ذلك الاجتماع هو الأول والأخير(57). والحقيقة أن الطرف اللبناني، عشية انعقاد مؤتمر مدريد (خريف 1991) سارع إلى تجميد الحوار “بدعوى تجنب أي عمل قد يؤثر في نتائج عملية السلام”(58).
13 ـ ليس موضوع هذا البحث تقويم ماضي العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية أو حتى حاضرها. فهذه سيرورة تاريخية، معقدة بالضرورة، تختلط فيها العواطف والأوهام والأساطير والنوايا والوقائع. وهي صارت، منذ حصار بيروت من قبل القوات الإسرائيلية في صيف العام 1982 وخروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية منها، موضوعاً لكل لبس. ومنذ منتصف التسعينات بشكل خاص، غدا الوجود الفلسطيني في لبنان حقلاً خصباً لكل حساسية ممكنة، ودخلت العلاقة الفلسطينية/ اللبنانية في عسر شديد. ويقول مهندسو السياسات اللبنانية الرافضة ل ـ “التوطين” إنهم يريدون حماية هوية لبنان من خطر الذوبان والتلاشي، وحماية لبنان نفسه من الانشطار. ويضيف بعضهم إلى ذلك إنه لو احترم الفلسطينيون القوانين والأنظمة اللبنانية لما قسا عليهم لبنان. ولولا أنهم تدخلوا في الشؤون الداخلية اللبنانية لما كانت الرغبة في الخلاص منهم قوية كما هي اليوم(59). والدليل على ذلك، كما يقولون، هو أن لبنان احتضن الفلسطينيين وعاملهم بكل الحسنى الممكنة منذ هجرتهم القسرية في العام 1948، وظل يعاملهم كذلك إلى أن غدوا عنصر خطر على كيان لبنان نفسه، وعلى توازناته بل واستقلاله ووجوده.
غير أنه حالما نتجاوز تخوم البعد السياسي المتصل بمواقف الوقت الحاضر من “التوطين”، ونتوغل قليلاً في الأشياء، حتى تتكشف الأمور عن أنها أكثر تعقيداً من هذه اللوحة البسيطة والمبسطة، وأنها تنفتح على حقل واسع من المفارقات التي تمس الاجتماع اللبناني نفسه بإجماعاته وأساطيره وتناقضاته، من ناحية، والطاقة التدميرية الهائلة التي يحتضنها ويزرقها بأسباب البقاء والديمومة، من ناحية ثانية. وتصعب الموافقة على الرأي الذي يقول إن سياسة تهميش الفلسطينيين ورفض منحهم أبسط الحقوق الإنسانية والاجتماعية المتعارف عليها في العالم تعود إلى ذاكرة الحرب الأهلية ودور الفصائل الفلسطينية في هذه الحرب(60). فبخلاف الصورة التي يروّجها بعضهم، لم تكن سلطات الدولة اللبنانية قبل اتفاق القاهرة تتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين إلا من منظار الأمن، بكل ما تحمله النظرة الأمنية من هواجس وتعسف وضيقِ أفقٍ نزِق، ولم تستطع أن ترى فيهم غير خطر يستوجب القمع. وتستند هذه المعاملة إلى دراسة، ذات اعتبارات أمنية كذلك، ترى في البؤس الفلسطيني أرضاً خصبة للثورة والتمرد، ومناخاً صالحاً لانزراع الأفكار التي تعتبرها كل جهة أمنية هدامة، أي مصدر تهديد للاستقرار.
وإذ لم تكن الذاكرة الجمعية لسكان مناطق الدولة اللبنانية تعكس في مرآتها هوية مشتركة، فقد مثل ميثاق 1943 عقد شراكة تغلب عليه الضرورة بين نبلاء الجماعات المحلية جميعها. ولما كان اللبنانيون مازالوا جماعات أهلية تُغلّب تعاضدات الأسرة والحي والعشيرة والضيعة والجهة والطائفة على كل تعاضد آخر، فقد كانت صيغة الميثاق ناجحة لإدارة الاختلافات وتخفيف حدة التوتر التي تقتضيها الوطنية الجديدة التي أسس لها الميثاق. إذ كيف يمكن الجمع بين كل هذه الانتماءات المتقاطعة وتجاوز انقساماتها من غير البدء بصياغة تاريخ مشترك، جديد بالتعريف؟
ثم إن الفلسطينيين عندما وصلوا إلى لبنان، بدءاً من نيسان (أبريل) 1948، بالآلاف كلاجئين، وصلوا إلى بلاد لم يكن سكانها قد استقروا لا على مشروع يجمع بينهم ويعيد تشكيلهم في الهوية الجديدة التي أرادها الميثاق لهم، ولا كانت دولتهم قد تعرفت على استراتيجيتها الخاصة بها كدولة إزاء دول الجوار. وإذ لم يكن لبنان، عشية النكبة الفلسطينية في العام 1948، قد شكل نخبته الوطنية بالمعنى المألوف للمصطلح، ومن غير سياسة بالمعنى الإنمائي، فقد كان للنكبة الفلسطينية عليه وقع الزلزال ذي الرجع القريب. وليس من غير دلالة بهذا المعنى أن يكون أول ضحايا الزلزال الفلسطيني في لبنان هما الشخصيتان الأبرز في تأسيس لبنان الجديد، لبنان الميثاق، وهما رئيس الجمهورية المرحوم الشيخ بشارة الخوري الذي أطاح به عجزه عن حكم البلاد بعد النكبة، ورئيس الوزارة المرحوم رياض الصلح، الذي نحاه الشيخ بشارة الخوري، شريكه الأول في الميثاق، عن الحكم. يُروى على لسان المرحوم رياض الصلح قوله “إن نكبة فلسطين قصمت ظهري، وإن هزيمة العرب هي قبل كل شئ هزيمتي في لبنان”(61).
مواضيع مماثلة
» اللاجئون الفلسطينيون في لبنان 7
» اللاجئون الفلسطينيون في لبنان 23
» اللاجئون الفلسطينيون في لبنان 8
» اللاجئون الفلسطينيون في لبنان 24
» اللاجئون الفلسطينيون في لبنان 9
» اللاجئون الفلسطينيون في لبنان 23
» اللاجئون الفلسطينيون في لبنان 8
» اللاجئون الفلسطينيون في لبنان 24
» اللاجئون الفلسطينيون في لبنان 9
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى