مساحات التفكير المنسيّة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مساحات التفكير المنسيّة
مساحات التفكير المنسيّة
كم بلغت مساحة الأراضي التي استحوذت الصهيونية عليها؟ كم اشترى المستعمرون من الأرض؟ وما مسؤولية إقطاعيي الخارج عن عمليات البيع؟
لعلّها الأسئلة التي شُغل بها الفلسطينيون وأنصارهم طويلاً، في غمرة الردّ على الصهاينة وأشياعهم.
فالحركة الصهيونية لم تأتِ إلى فلسطين ومعها وفرة من المال وحسب؛ بل كثير من الخطط التوسعية والشعارات والذرائع الدعائية كذلك.
لا شكّ في أنّ التمحيص يكشف لنا عن تهافت أكذوبة «بيع الفلسطينيين لأرضهم». لكنّ الذي لا ينبغي أن ننساه هو ما تنطوي عليه تلك الادعاءات الصهيونية المهترئة من سذاجة.
فالذي يمتلك أرضاً معيّنة، كأن يشتريها مثلاً، يمكنه أن يستخدمها، ولكنّ هذا الاستخدام يجب أن يكون بشكلٍ مشروعٍ فقط. فلا يحق لأحد شراء أرض ليتخذها قاعدة هجوم على الآخرين مثلاً، كذلك لا تمنحه هذه الملكية أحقية فرض السيادة السياسية على الأرض.
لا يجيز امتلاكُ الأراضي إعلانَها مكاناً مستقلاً، فضلاً عن اتخاذها «دولة». ولو كانت الملكية تعني أحقيةَ فرض السيادة على الأرض؛ لوجب على الجميع إعادة رسم خريطة العالم، بما يبيح للإقطاعيين وكبار مالكي الأراضي أن يرفعوا ما يحلو لهم من الأعلام بألوان الطيف. وربما اكتشفت شتى الحركات الانفصالية وصفةً باهرة، وتطلّب الأمر تحويل اجتماعات «الجمعية العامة للأمم المتحدة» من قاعتها بنيويورك إلى ملعب لكرة القدم.
* * *
ثم إنّهم لا يكفّون عن القول إنّ «إسرائيل دولة ديموقراطية».
علينا أن نناقشهم: إن كنتم مُعجَبين بتلك «الديموقراطية»؛ فلماذا لا تجرِّبون العيش فيها؟! اذهبوا واختبروا «متعتها» هناك، لا عن بُعد. لكن عليكم أن تجرِّبوها حقاً؛ أن تعايشوها عند الجدار العنصري، وعند حواجز الضفة، وفي الخليل القديمة، دون أن تتجاهلوا قطاع غزة. جرِّبوا الديموقراطية هذه في القدس.. المحتلّة بقسوة رغم كل ما فيها من مقدسات وحضارة وتاريخ عريق وآثار، مروراً بحي البستان وبيوته الموعودة بالتدمير.
من ينعمون بالنظم الديموقراطية هم أكثر من وجب عليهم فضح الاحتلال البشع وممارساته القسرية. لكنّ ما نسيه كثير من هؤلاء أنه لا ديموقراطية مع الاحتلال، ولا ديموقراطية مع محاولة إخضاع شعب في بلاده بقوة الآخرين، ومنعه من تقرير مصيره.
إنّ وصف دولة احتلال بأنها ديموقراطية قد بعث برسالة خاطئة إلى العالم أجمع، لا إلى المنطقة وحدها.
* * *
في أوروبا نادراً ما يُشغَلون بمسائل كهذه، فهي مساحات تفكير منسيّة. وإنّ المرء ليدرك عمق المفارقة لدى أولئك المتحمِّسين للمشروع الصهيوني، عندما يتحدثون عن عذابات اليهود وضرورات «تعويضهم» بكيانٍ لهم، على نفقة فلسطين. فالسخاء نحو الصهيونية ومنظماتها يتحوّل إلى توجّس وارتياب، إذا ما طُرح السؤال المعاكس: ولماذا لم تقتطع أوروبا مساحاتٍ منها للكيان المصطنع؟! تتجمّد في نقاش كهذا فكرة التكفير عن الخطيئة التاريخية، إذا ما طُلب من أوروبا ذاتها أن تدفع الاستحقاق الذي دفعه الشعب الفلسطيني.
وطالما شهدنا، وما زلنا نشهد، مسلسل التعويضات الأوروبية المتصاعدة لليهود عمّا لحق بهم خلال العهد النازي وإبّان الحرب العالمية الثانية؛ فإنّ الباب ما زال مفتوحاً أمام تعويضات سخيّة، تتدفّق إلى من سُلبت منهم حقوقهم يوماً ما. لكنّ الباحث اليهودي الأمريكي نورمان فنكلستاين، أزاح الستار عن «صناعة الهولوكوست»، وكيف تحوّلت التعويضات إلى عملية اقتصادية تدرّ الأرباح الفلكية على المنظمات الصهيونية في الأساس، لا على المتضرِّرين من اليهود في الغالب.
وما قد يشغل الذهن هو مصير العقارات الأوروبية التي كانت لليهود، من مبانٍ وأراضٍ ومتاجر، وما زالت أعيانها قائمة ووثائقها محفوظة. من حقنا أن نفترض أنّ مستوطني فلسطين المُهجّرين إليها، لو استعادوا أصول عقاراتهم، لا تعويضات مالية عنها، لما وجد كثير منهم ما يبرِّر بقاءهم غير الآمن في «الشرق الأوسط الملتهب».
لا مصلحة للصهيونية بالتعويضات الفعلية إذا ما ترتّب عليها استقرار هانئ لليهود في أوروبا. فالمال هو المطلوب، أي قيمة التعويض، رغم أنّ منطق التعويض يقوم أساساً على إرجاع أصل الشيء إن وُجد؛ لا قيمته المفترضة.
* * *
ولأنّ زخم التضليل يكبح قدرة الناس على تشغيل عقولهم؛ يبدو حقّ العودة الفلسطيني غير مفهوم بالنسبة إلى قطاعات من ذوي الأذهان المتكلِّسة. أعني أولئك الذين يمنحون الحقّ لأيِّ يهودي بالعودة إلى فلسطين، ويرون ذلك «حقاً تاريخياً» وإجراء مستساغاً بموجب «قانون العودة اليهودي»، لعام 1950.
هم لا يرون في القانون هذا عنصريةً تذكر، فلا مشكلة لديهم في تدفّق اليهود، والمتهوِّدين، والمشكوك في يهوديّتهم؛ بموجبه، إلى فلسطين المحتلة.
إنّ عودةَ الفلسطينيين، بموجب المنطق الذي يحمله هؤلاء في رؤوسهم، لها مدخل عنصريّ واحد بالتالي: أن يخوض شعبُنا عملية تهوّد جماعية، فيبيتَ الفلسطينيون في أرضهم وديارهم، وتُحلّ القضية في دقائق معدودة.
هراءٌ كهذا يمكن توقّعه، وسماعه، مرة تلو الأخرى، في بواكير الألفية الثالثة، وفي ذروة موسم حقوق الإنسان. حقاً.. فإنها لا تعمى الأبصار، لكن تعمى القلوب التي في الصدور.
كم بلغت مساحة الأراضي التي استحوذت الصهيونية عليها؟ كم اشترى المستعمرون من الأرض؟ وما مسؤولية إقطاعيي الخارج عن عمليات البيع؟
لعلّها الأسئلة التي شُغل بها الفلسطينيون وأنصارهم طويلاً، في غمرة الردّ على الصهاينة وأشياعهم.
فالحركة الصهيونية لم تأتِ إلى فلسطين ومعها وفرة من المال وحسب؛ بل كثير من الخطط التوسعية والشعارات والذرائع الدعائية كذلك.
لا شكّ في أنّ التمحيص يكشف لنا عن تهافت أكذوبة «بيع الفلسطينيين لأرضهم». لكنّ الذي لا ينبغي أن ننساه هو ما تنطوي عليه تلك الادعاءات الصهيونية المهترئة من سذاجة.
فالذي يمتلك أرضاً معيّنة، كأن يشتريها مثلاً، يمكنه أن يستخدمها، ولكنّ هذا الاستخدام يجب أن يكون بشكلٍ مشروعٍ فقط. فلا يحق لأحد شراء أرض ليتخذها قاعدة هجوم على الآخرين مثلاً، كذلك لا تمنحه هذه الملكية أحقية فرض السيادة السياسية على الأرض.
لا يجيز امتلاكُ الأراضي إعلانَها مكاناً مستقلاً، فضلاً عن اتخاذها «دولة». ولو كانت الملكية تعني أحقيةَ فرض السيادة على الأرض؛ لوجب على الجميع إعادة رسم خريطة العالم، بما يبيح للإقطاعيين وكبار مالكي الأراضي أن يرفعوا ما يحلو لهم من الأعلام بألوان الطيف. وربما اكتشفت شتى الحركات الانفصالية وصفةً باهرة، وتطلّب الأمر تحويل اجتماعات «الجمعية العامة للأمم المتحدة» من قاعتها بنيويورك إلى ملعب لكرة القدم.
* * *
ثم إنّهم لا يكفّون عن القول إنّ «إسرائيل دولة ديموقراطية».
علينا أن نناقشهم: إن كنتم مُعجَبين بتلك «الديموقراطية»؛ فلماذا لا تجرِّبون العيش فيها؟! اذهبوا واختبروا «متعتها» هناك، لا عن بُعد. لكن عليكم أن تجرِّبوها حقاً؛ أن تعايشوها عند الجدار العنصري، وعند حواجز الضفة، وفي الخليل القديمة، دون أن تتجاهلوا قطاع غزة. جرِّبوا الديموقراطية هذه في القدس.. المحتلّة بقسوة رغم كل ما فيها من مقدسات وحضارة وتاريخ عريق وآثار، مروراً بحي البستان وبيوته الموعودة بالتدمير.
من ينعمون بالنظم الديموقراطية هم أكثر من وجب عليهم فضح الاحتلال البشع وممارساته القسرية. لكنّ ما نسيه كثير من هؤلاء أنه لا ديموقراطية مع الاحتلال، ولا ديموقراطية مع محاولة إخضاع شعب في بلاده بقوة الآخرين، ومنعه من تقرير مصيره.
إنّ وصف دولة احتلال بأنها ديموقراطية قد بعث برسالة خاطئة إلى العالم أجمع، لا إلى المنطقة وحدها.
* * *
في أوروبا نادراً ما يُشغَلون بمسائل كهذه، فهي مساحات تفكير منسيّة. وإنّ المرء ليدرك عمق المفارقة لدى أولئك المتحمِّسين للمشروع الصهيوني، عندما يتحدثون عن عذابات اليهود وضرورات «تعويضهم» بكيانٍ لهم، على نفقة فلسطين. فالسخاء نحو الصهيونية ومنظماتها يتحوّل إلى توجّس وارتياب، إذا ما طُرح السؤال المعاكس: ولماذا لم تقتطع أوروبا مساحاتٍ منها للكيان المصطنع؟! تتجمّد في نقاش كهذا فكرة التكفير عن الخطيئة التاريخية، إذا ما طُلب من أوروبا ذاتها أن تدفع الاستحقاق الذي دفعه الشعب الفلسطيني.
وطالما شهدنا، وما زلنا نشهد، مسلسل التعويضات الأوروبية المتصاعدة لليهود عمّا لحق بهم خلال العهد النازي وإبّان الحرب العالمية الثانية؛ فإنّ الباب ما زال مفتوحاً أمام تعويضات سخيّة، تتدفّق إلى من سُلبت منهم حقوقهم يوماً ما. لكنّ الباحث اليهودي الأمريكي نورمان فنكلستاين، أزاح الستار عن «صناعة الهولوكوست»، وكيف تحوّلت التعويضات إلى عملية اقتصادية تدرّ الأرباح الفلكية على المنظمات الصهيونية في الأساس، لا على المتضرِّرين من اليهود في الغالب.
وما قد يشغل الذهن هو مصير العقارات الأوروبية التي كانت لليهود، من مبانٍ وأراضٍ ومتاجر، وما زالت أعيانها قائمة ووثائقها محفوظة. من حقنا أن نفترض أنّ مستوطني فلسطين المُهجّرين إليها، لو استعادوا أصول عقاراتهم، لا تعويضات مالية عنها، لما وجد كثير منهم ما يبرِّر بقاءهم غير الآمن في «الشرق الأوسط الملتهب».
لا مصلحة للصهيونية بالتعويضات الفعلية إذا ما ترتّب عليها استقرار هانئ لليهود في أوروبا. فالمال هو المطلوب، أي قيمة التعويض، رغم أنّ منطق التعويض يقوم أساساً على إرجاع أصل الشيء إن وُجد؛ لا قيمته المفترضة.
* * *
ولأنّ زخم التضليل يكبح قدرة الناس على تشغيل عقولهم؛ يبدو حقّ العودة الفلسطيني غير مفهوم بالنسبة إلى قطاعات من ذوي الأذهان المتكلِّسة. أعني أولئك الذين يمنحون الحقّ لأيِّ يهودي بالعودة إلى فلسطين، ويرون ذلك «حقاً تاريخياً» وإجراء مستساغاً بموجب «قانون العودة اليهودي»، لعام 1950.
هم لا يرون في القانون هذا عنصريةً تذكر، فلا مشكلة لديهم في تدفّق اليهود، والمتهوِّدين، والمشكوك في يهوديّتهم؛ بموجبه، إلى فلسطين المحتلة.
إنّ عودةَ الفلسطينيين، بموجب المنطق الذي يحمله هؤلاء في رؤوسهم، لها مدخل عنصريّ واحد بالتالي: أن يخوض شعبُنا عملية تهوّد جماعية، فيبيتَ الفلسطينيون في أرضهم وديارهم، وتُحلّ القضية في دقائق معدودة.
هراءٌ كهذا يمكن توقّعه، وسماعه، مرة تلو الأخرى، في بواكير الألفية الثالثة، وفي ذروة موسم حقوق الإنسان. حقاً.. فإنها لا تعمى الأبصار، لكن تعمى القلوب التي في الصدور.
فارس فلسطين- مشرف
- عدد المساهمات : 21
تاريخ التسجيل : 05/08/2009
الموقع : الشارقه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى